السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مرحبا بكم في مدونة - ديمومة- أدام الله عليكم الصحة والسعادة والسلام


ملاحظة: يمنع نسخ أو اقتباس أي مادة من هذه المدونة بدون إذن صاحبها





الخميس، 11 يونيو 2020

كورونا .. ورسالة التغيير



في نهاية عام 2019 كانت أخبار اكتشاف فيروس كورونا في مدينة وهان بالصين تمر علينا مرور الكرام، ولم يخيل لنا بأن عدوى هذا الفيروس ستتجاوز الحدود الصينية لتصل الى كل شبر في الكرة الأرضية !! .. كانت تلك الاخبار مجرد أخبار عابره نتابعها والبعض من تعمق في متابعة التصريحات الصينية والردود الامريكية وردود منظمة الصحة العالمية وفسر ذلك بأن هناك من يستغل وجود الفيروس في الصين لغايات اقتصادية، ومنهم من فسر بان الصين نفسها استغلت وجود الفيروس لتهول الامر لطرد بعض الشركات الأجنبية التي باتت تشكل عبئا سياسيا عليهم ومحاولة منهم لشراء تلك الشركات .. ومنهم من فسر ذلك بأننا على اعتاب حرب اقتصادية قادمة بين العملاقين الصيني والامريكي... والنادر جدا من ظن بان الفيروس هو شيء واقع وربما ينذر بالخطر ما اذا خرج من الحدود الصينية الى بلاد الجوار .. ولم يكن لأحد ان يتخيل ان ذلك سيتجاوز تلك المنطقة الاسيوية الجغرافية لينتشر الى كل بقاع الأرض ويؤثر أكثر مما أثر على الصين نفسها مصدر الفيروس.

فناقوس الخطر الحقيقي بدأ يرن عندما وصل الفيروس الى ايران وإيطاليا وبدأ من هناك رحلة جديدة غامضة لا يعرف مداها ولا نهايتها .. وبات الجميع في ترصد دائم لمتابعة ما الجديد والى اين المنتهى ؟!! .. أسئلة لم تجد لها إجابات الي ان غزا ذلك الفيروس الى كل البلاد وبات أمر حتمي واقع ويجب التعامل معه على اعلى مستوى في الدول .. واطلقت جميع الدول صافرات الإنذار وبدأ التغيير التاريخي الغير متوقع

على المستوى الشخصي .. انا أعمل في شركة نفطية وهذه الشركة بدأت قبل اكثر من عام بعمل استراتيجية العمل عن بعد ..بعدما تم تطبيقه في عدة شركات عالمية وقد نجحت تلك الشركات في تطبيقه .. فكان عام 2019 عام التجربة الرسمية في تطبيق آلية العمل عن بعد في شركتنا وتم اختيار عدد معين من الموظفين كعينة اختبار للتجربة .. وقد اثبتت التجربة فعاليتها منذ الأشهر الأولى فزادت الإنتاجية بمقدار 25% مما اعطى انطباعا إيجابيا بان التجربة ستنجح وبالفعل عند اكتمال المدة المحددة كانت كل التقييمات وعلى كل الأصعدة إيجابية وملهمة ..مما جعل الإدارة العليا للشركة بطلب تفعيل التجربة لتصبح واقعا وعمل خطة للانتقال المستقبلي ليصبح كل الموظفين لديهم تقنية العمل عن بعد بمعدل يوم او يومين في الأسبوع يستطيع الموظف ان يعمل من البيت او أي مكان .. وبقية الثلاث أيام الأخرى يكون فيها العمل اعتياديا في المكتب

اذكر هذا الامر .. لأنني تقدمت بطلب للحصول على التصريح للعمل عن بعد من بداية يناير 2020 خصوصا وانني لدي جهاز اللابتوب المجهز والمعد لذلك .. وكنت أمارس الكثير من الاعمال عن بعد منذ عام 2014 حينما كنت اعمل في مشروع يستدعي ترحالي المستمر والعمل مع المقاول في مكاتب شركتهم.. فطلبي كان فقط مجرد السماح الرسمي لي وتسجيل اسمي من ضمن العاملين عن بعد (يومين في الأسبوع) .. فكان الرفض من المسؤول المباشر بحجة كيف لمهندسين المشاريع ان يعملوا عن بعد وهم بحاجة الى الاجتماع الدائم بالمقاولين والموردين وفرق العمل المختلفة في المشروع .. وهنا تستطيع ان نقيم العقليات التي طبعت لنفسها السير وراء الروتين اليومي والتقوقع في وحلها .. وعدم التحرك مع الحاضر والتهيؤ للمستقبل القادم مع المعطيات الموجودة على ارض الواقع

وقد دخلنا في نقاشات مختلفة لأقناع تلك العقليات الغير راضية بالتحرك التقني للمستقبل .. بالرغم من ان الشركة قد قامت بالتجربة وفاق نجاحها كل التوقعات .. ليس هذا بحسب بل وباركتها الإدارة العليا للشركة وأمرت بأعداد الخطة الزمنية لتطبيقه على مراحل .. وكانت التوقعات بانه بعد خمس سنوات كل الموظفين سيكونون متاح لهم العمل عن بعد بمعدل يومين على الأقل في الأسبوع وربما يتطور الامر الى ثلاثة أيام او اكثر .
سبحان الله .. مر شهر فبراير ولم يكن للموافقة أمل .. الى ان اتي منتصف مارس ليرسل لنا نفس المسؤول رسالة بطلب من الموظفين العمل عن بعد في الفترة القادمة بناءا على أوامر اللجنة المشكلة لفيروس كورونا .. وبدأنا العمل وبعد أسبوع او أسبوعين نفاجا بان الإدارة تعلن بأن معدل الإنتاجية لدى الموظفين قد زاد .. وان الاجتماعات (اون لاين ) أصبحت اكثر فعالية وتستهلك وقت أقل .. كما اصبح للموظف الوقت الكافي للمشاركة في فعاليات أخرى كفعالية تبادل المعارف والخبرات الذي يقدمه فريق إدارة المعلومات.

هذه واحدة من الفرائد التي جلبها لنا فيروس كورونا .. وهي التسريع في النقلة التكنولوجية في العمل والدراسة عن بعد التي كانت قبل فترة قصيرة محل شك لدى بعض العقليات التي جبلت على الروتين والرضى بالمنهجية القديمة السائدة في العمل .. جاء فيروس كورونا ليغير الكثير من المفاهيم .. وليفرض الوعي في جميع الأصعدة والجوانب المختلفة. فعلى سبيل المثال كان الجانب  الصحي وحتى وقت قريب من جائحة كورونا يعيش المرّين ، الأول عدم الدعم الكافي من الإدارات ومن جانب أخر البعد المجتمعي والتخلف الحضري عن القبول الصحيح لدور تلك الفرق التوعوية المهمة .. فكانت فرق التوعية في مختلف المؤسسات تعاني كثيرا مع تلك التحديات .. جاء كورونا ليفرض ما كان مستحيلا او صعبا ليصبح واقعا ملموسا وسهلا

كورونا .. لا نختلف انه جائحة انتشرت وعانت منه حكومات الدول قبل الافراد .. جائحة مخيفة تنتشر بشكل كبير ولا تعرف كبير او صغير .. لذلك أغلقت الأبواب في كل مناحي الحياة .. المساجد، الأسواق، المدارس، التجمعات بمختلقها العائلية/الرياضية/الثقافية/التجارية/ وغيرها .. وبات المرض ينهك اجسام الذين اصابهم .. وفقدنا الكثير من المصابين .. وتغيرت مفاهيم كثيرة .. كإيجازه الصلاة بالتباعد (أي ترك مسافة مترين بين كل مصلي) بينما كانت بالأمس محل رفض كامل من علماء الدين وبعضهم يشدد بفساد الصلاة اذا لم تلتصق الاجسام في الصفوف !! أما اليوم وبعد كورونا أصبحت جائزة !!

حتى الصلاة في البيت كانت محل نقد وسخرية من بعض المطاوعة .. ويعيبون من لا يذهب للمسجد في كل الصلوات حتى وان كان مريضا .. ويعتبروا الذهاب للمسجد في حال المرض بأنه جهاد ونقاء سريرة والتزام بالدين .. وكثير ما ينشر عن معاقين يصارعون انفسهم للوصول الى المسجد وكثيرا ما يتعرضون للسقوط والاصابات واحيانا تزداد حالتهم المرضية بسبب ذلك الالتزام االمتعب لهم ولكنهم كانوا تحت تأثير المباركة والثناء لهم من الذين يسمون انفسهم ملتزمين بالدين او كما يسموهم العامة المطاوعة.

اليوم تغير الحال ، واصبح ما كان منتقدا في السابق أصبح ينصح به في الحاضر .. كان من يتصل ليعزي شخص فقد ابيه او امه او احد أقاربه يقابل بالنقد وانه مقصر وغير ملازم للعادات والقيم في المجتمع وكان الأغلبية يرى ان الحضور الى سبلة العزاء هي التعبير الأسمى عن الاخلاق والالتزام بالموروث والدين وهي السبيل الأنسب للتعبير عن الوقوف مع اهل الميت .. بينما الان وبعد كورونا اصبح الاتصال الهاتفي أو حتى الرسالة النصية هي التعبير المحمود والمشكور للعزاء .. سبحان مقلب الأحوال

كانت الأسواق مكتظة بالناس وفي أحوال كثيرة يصل الى التقارب الجسدي .. وكثيرا ما تعاني النساء في المهرجانات والمجمعات التجارية المزدحمة من التحرش نتيجة الازدحام .. جاء كورونا ليكون له كلمه في هذا الصدد وان يجبر الجميع على التباعد المجتمعي وأن يجعل التقارب منكرا يتعجب منه ويرفضه العامة !!

فهل جاء كورونا بأمر إلهي ليصلح بعض عادات المجتمعات ويزيل التعصب والتطرف في بعض القضايا ويعيد العقل الى عمله الطبيعي في التفكر وعدم التبعية العمياء لفكر ما ورفض الآخر

كورونا مع جانبه السلبي فله جوانب أخرى إيجابية .. جوانب إصلاحية .. جوانب تنقل المجتمع من مرحلة خمود الى مرحلة حراك وتقدم ..

شكرا لله على كل حال

جمال العبري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق