السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مرحبا بكم في مدونة - ديمومة- أدام الله عليكم الصحة والسعادة والسلام


ملاحظة: يمنع نسخ أو اقتباس أي مادة من هذه المدونة بدون إذن صاحبها





الأربعاء، 30 نوفمبر 2011

النظافة .. وصلاة الجمعة


الجمعة الماضية كنت محظوظاً .. هكذا أنا.. وربما الكثيرين مثلي .. يترقب يوم عيد المسلمين الاسبوعي وتجمع المسلمين في صلاةٌ يميزها ويزينها (خطبتها) التي يفترض ان تكون درساً تذكيرياً ودعوياً ومحفزاً وحلاً لقاضيا المجتمع.. هكذا أنا .. وربما الكثيرين غيري .. ينتظرون الجمعة وصلاتها .. "على الحظ" .. يعيشون على الحظ في صلاة الجمعة!!! .. نعم ، أقولها بكل حسرة .. يصيبني الاشمئزاز والحزن غالباً بعد كل صلاة جمعة .. ويتكرر الحال كذلك في رمضان بعد كل صلاة تراويح .. أما في باقي الصلوات في المسجد ربما يكون الحال أفضل ..باستثناء صلاة المغرب التي قد نجد للحظ حضوراً فيها أيضاً، نظرا لكثرة مرتادين المسجد من المصلين في هذه الصلاة !!
أصدُق القول بأن النظافة هي عنوان كل حضارة، ومؤشر رقيّها، بل ومقياس تحضر ابنائها. وثقافة الشعوب تقاس بمدى تقيّد ابنائها بفنون وآداب التعايش والاحترام والاخلاق بينهم وبين الآخرين.  وليس غريب ان يهتم ديننا الحنيف بالنظافة اهتماما كبيراً جداً، ليس اهتماما عادياً وإنما اهتماما بلغ أهميته بأن ربطة بالعبادة ومكان العبادة وكل جوانب الحياة . يقول الله تعالي (ان الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) ويقول ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) ويقول (وان كنتم جنبا فاطهروا) ويقول ( وثيابك فطهّر)  ويقول ( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق ان تقوم فيه، فيه رجال يحبون ان يتطّهروا والله يحب المتطهرين) صدق الله العظيم ، وهناك الكثير غيرها من الآيات القرآنية تدعو الى النظافة والطُهر. وتأتي الاحاديث النبوية لتؤكد اهتمام الاسلام بالنظافة بل وتشدد وتوجّه البشر الى أهمية النظافة . والاحاديث في ذلك كثيرة ( ان الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم) ، (ما على أحدكم إن وجد، ان يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته)، (بركة الطعام، الوضوء قبله والوضوء بعده)، ( السواك مطيبة للفم، مرضاة للرب)، ( من كان له شعر فليكرمه)، (الطهور شطر الايمان) ، (ان امتي يدعون يوم القيامة غُراً محجّلين من آثار الوضوء) ، (الفطرة خمس: الختان والاستحداد وقص الشارب وتقليم الاظافر ونتف الابط)  وغير ذلك الكثير والكثير..
يأتي اليوم المسلمين ليرموا بكل تلك التعليمات بعرض الحائط،  بكثير من اللامبالاة وعدم الاكتراث.. كسل يقود الى جهل.. وجهل يقود الى دمار الحياة والدين!! .
أَذهب الى صلاة الجمعة ..لأشحن نفسي بالإيمانيات ..والاستمتاع والإصغاء والاستفادة من خطبة الجمعة .. ولقاء المسلمين وتبادل التحية معهم لتأصيل التلاحم والمؤاخاة والاتحاد وكل المعاني الانسانية السامية .. ولكن للأسف تلك الطاقة الايجابية غالباً ما تصطدم بحال المسلمين البائس ..منها بل وأهمها (النظافة) .. وآه على النظافة ..
تعودت منذ صغري ان اذهب الى المسجد متوضئاً .. لأتفادى الوضوء في دورات مياه المسجد (القذرة) غالباً .. ولكن الشيء الذي لا مفر منه ان يصلي أحدهم بجانبك برائحة عرقة الكريهة .. التي تخنق نفسك  لمدة لا تقل عن ساعة .. خصوصا اذا كانت الخطبة طويله .. عندها تتمنى ان ينهي الامام خطبته من أول عبارة السلام على المصلين !! أو ان يتجشأ المصلي بجنبك بخليط من الاطعمة التي قذفها على معدته المسكينة .. ليخنق نفسك وربما جعلك تتقيأ !! أو تصوم ليومين قادمين من هول الرائحة التي شممت!!.
أحدهم يأتي الى الصلاة بملابس عمله.. بعد ان قضى يوما حافلا مع الشمس الحارقة أو بين مكائن النجارة أو حتى بين أفران المخابز أو المطاعم!! .. وبعد ان اغتسلت ملابسه بعرقة مرات ومرات ..وربما لم يكتب لها الغسيل بالماء النظيف لعدة أيام او حتى اسابيع!!  .. يأتي الى المسجد بروائح ملابسة الكريهة ومنظرها المقرف .. وكأنه لا قيمة للنظافة في الاسلام .. وكأن النظافة ليست شرطا في صحة الصلاة .. ويخرج سعيدا من المسجد كأنه لم يقترف شيئا .. وكأنه لم يخدش قيمة هامة من قيم الاسلام .. وكأنه لم يؤذي أخٌ مسلم .. ولا ابالغ بأنه قد يتسبب في قطع بعض الناس عن الصلاة في المسجد!!.. هذا المشهد يتكرر كثيرا جداً .. وفقط الحظ .. هو الذي ينجيك أحيانا من هكذا مواقف.
السؤال الطبيعي الذي يتبادر الى ذهن كل غيور على هذا الدين .. لماذا المسلمين هكذا؟ ما المشكلة؟ هل المشكلة في التعليم؟ في المناهج؟ في ضعف الخطاب الدعوي؟ في تقاذف الدعاة فيما بينهم لنصرة مذاهبهم بعيدا عن الدين الحق؟ في اهتمام الدعاة بالفقه والمسائل المعقدة وبيان قدراتهم العلمية في مسائل بعيدة عن حياة الانسان البسيط؟ أم في إهمال الحياة الدنيا بحجة ان الآخرة خيراٌ وأبقى؟!! (أم ماذا؟).
يشدني.. رؤية المسيحين عندما يذهبون الى الكنيسة .. يلبسون أحسن الملابس.. ويتطيبون بأفضل الطيب.. ويجاهد الجميع ان يلتزم الاخلاق والتكلم بصوت هادئ حتى لا يؤذي الآخرين. والحرص على تعليم ابنائهم  بالالتزام بالأدب وتعليمات الكنيسة وعدم رفع صوتهم او توسيخ المكان ..  ويصغي الجميع للقساوسة بعناية واهتمام .. ويخرجون ملمين بكل حذافير الخطاب .. ناهيك عن تيقنّهم من استجابة الله لدعائهم وغسل خطيئاتهم!! .. ونحن نخرج من المساجد نذم بعضنا بعضا.. حتى وصل حال بعضهم ان انقطع عن مسجد الحارة التي يقطن بها والذهاب الى مسجد بعيد بحجة ان إمام المسجد من عائلة أو قبيلة أخرى!!.
قبل عدة سنوات التقيت بشخص كان في السابق يدين بالهندوسية وبعدها تنصّر وأصبح مسيحياً .. سألته ما السر في ذلك؟ وما الذي قاده الى ترك ديانته والدخول في ديانة أخرى؟ اجابني بصراحة وبدون تردد لتعدد الآلهه في دينه السابق والقصص الخرافية بينهما وعدم اقتناعه بالطقوس الغير عقلانية في معابدهم ووساخة وجهل اصحابه. فكيف لدين ان يهديني وعلمائه قذرين سواءً في تعاملهم أو حتى في ملبسهم!! .. وما شدّه في دينه الجديد النظافة والخطاب الراقي واهتمامه بتنمية المعرفة بجوانب الحياة المختلفة والتطبيق.
سبحان الله .. ما يشد الانسان في الاديان هو قوة رسالته .. هدايته للبشرية في الحياة الدنيا والآخرة.. خطاب العقل والرفع بالروحانيات.. مبادئه القيمة .. ومدى التزام معتقديه وايمانهم وصفاء روحهم.
(التطبيق) اعتقد هو المحور الذي يجب التركيز عليه .. في مدارسنا تُدرس النظافة في الكتب، بينما واقع الفصول الدراسية ودورات المياه والممرات والساحة المدرسية بخلاف ذلك!! .. كيف نستطيع ان نزرع قيمة في عقول ابنائنا بدون تطبيقها لتصبح عادة حسنة يقوم بها في كل مرافق حياته سواءً في المدرسة أو البيت أو السوق أو المكتب .. كيف لنا ان نزرع قيمة احترام الوقت بدون التدريب العملي على ادارة الوقت والاقتناع التام بأهميته وتطبيقه ليصبح عادة حسنة وسمة من سمات ثقافتنا العامة .. كيف لنا ان نبني قيمة المبادرة والتطوع بدون التطبيق وتعليم فنونة ونتائجه المهمة للمجتمع، أعتقد جازما بأن على القائمين على التعليم ان يعيروا (أسلوب) التعليم أهمية أكبر من أن يستمروا في تغيير (المناهج) وعمل التجارب سنه بعد سنه على الطلاب " الضحايا".
كذلك الحال عند الدعاة ورجال الدين (المطاوعة)..فالتركيز على تعليم الاخلاق والآداب وفنون التعايش السليم وطرق كسب الانسان لتحسين معيشته والاهتمام بالتعليم أهم بكثير من مجرد تلقين نطق الشهادة والاكتفاء بتعليم الصلاة والزكاة والجهاد للمستسلمين الجدد. شخصياً أمقت طريقة الدعاة في الاهتمام بمواضيع رفع الايدي في الصلاة من عدمه وتقصير الملابس ولون العمامة بدلاً من الاهتمام بنظافة الجسد والملابس والفكر واللسان والرقي في التعامل مع الآخرين.
عندما جاء الاسلام لم يعتنقه الناس لأحكامه القاسية أو لنقده الآخرين أو تعليمه رفع السلاح بينما اعتنقه الناس لما فيه من مقومات وقيم لإصلاح نفوسهم وعقولهم وعلاقاتهم مع بعضهم ولما فيه من محبة وتآلف بين افراده بعيداً عن الطبقية والعرقية ولما فيه من حرية الحوار بين غنية وفقيرة والتعايش بسلام ورحمة ولما فيه من الاهتمام بأمور الحياة اليومية من كسب رزق ونظافة وتنظيم... نحن بحاجة اليوم الى إعادة النظر في احوالنا الحياتية أكثر من أي شيء آخر.
ربما ما يراه الآخرين من تدخل القوى العظمى في مناهجنا التعليمية بنظرة سلبية، شخصياً أراه إيجابياً !!! .. لأننا وصلنا الى اللامبالاة في اشياء كثيرة، وأصابنا العوز المعرفي والعجز الثقافي !! وأصبحنا غير قادرين على تصحيح مسارنا .. عشرات الآلاف يتخرجون سنويا من المدارس والكليات والجامعات والكثير منهم لا يجيدون التعامل مع الادوات الصحية في دورات المياه !! ناهيك على الامور الحياتية الأخرى كقيادة السيارات واحترام المواعيد والاخلاص في العمل.. فأشبه التدخل الاجنبي ب(القرص) أو (الوخز) لاستنهاض انفسنا من غيبوبتها، لنفيق ونعي بأن الحياة الدنيا أيضاً لها أهمية قصوى للفوز بها والفوز بالأخرة .. فلولا وُجدنا في الدنيا لما وصلنا للآخرة.. وليس كما يقول مطوع المسجد بان الحياة لعب ولهو وعلى الانسان ان يهجرها للفوز بالأخرة الابدية!!!! فكر ومنطق هذا المطوع هو الذي أوصلنا بأن نصلي في المسجد بين بعض الاشخاص القذرين (المنفرّين) الذين يتبعون هذا المنطق السيء المنحط .. منطق هذا المطوع ومن شابهه هو الذي أوصلنا الى ننتظر حظنا في كل جمعة ..علنا نوَفق ان نصلي بين اشخاص نظيفين ملبساً وجسداً وروحاً.
دمتم بسمو الفكر .. جمال العبري