السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مرحبا بكم في مدونة - ديمومة- أدام الله عليكم الصحة والسعادة والسلام


ملاحظة: يمنع نسخ أو اقتباس أي مادة من هذه المدونة بدون إذن صاحبها





الجمعة، 9 سبتمبر 2011

كله مجنون !!


أجد نفسي احيانا غير قادر على استيعاب ما يدور حولي من احداث وقضايا .. تارة ً يخيل لي بأنها مفبركة ومدارة من مركز ما، ذلك المركز قادر على احتواء  كل قضايا العالم وادارته بدقة متناهية مدروسة بحيث ان كل العواقب والنتائج تكون متوقعه قَرُب أمدها أم بعد، وان وارء تلك الادارة منظمات تعمل ليل نهار بكفاءة منقطعة النظير تحمل من العلم والثقافة والخبرة ما تجعلها تتعامل مع كل شيء حتى مع صغائر الامور التي قد لا تخطر ببال الانسان العادي.. وتارة يخيل لي بأن الاحداث تحدث صدفه والحكيم الذي يستطيع التعامل معها، وان هذا الحكيم يجب ان يكون انسان غير عادي، أوتي من الحكمة والعلم والمعرفه بدرجة تفوق كل البشر ولدية من القدرات والمهارات التي تجعله مستيقظ وجاهز لقيادة الدفه الى الاتجاه الذي يريد... وأحيانا اقول بان كل ما يحصل هو نتاج لتراكمات الاحداث في السنوات والعقود الماضية وان الايام دول والتاريخ يعيد نفسه،  فكم من حضارة قامت وبادت ولم يبقى منها غير التاريخ المكتوب أو بقايا من بعض مظاهرها العمرانية .. وتارة يخيّل لي بأن الامور كلها مرسومة من قبل الخليقة وما يحصل في كل ثانية ما هو إلا تنفيذ لبرمجة الكون والمسار المرسوم له والهدف من وجوده .. فلماذا اذاً التشنج وحرق الاعصاب وجلب من الامراض ما يقلّص العمر الافتراضي للفرد!!
في السابق لم يكن للاعلام وجود أو تأثير كما هو الحال في هذه الايام .. قبل عدة عقود كان المحرك الاعلامي هو الراديو والجرائد اليومية والتلفزيون الارضي وكلها من السهل ادارتها وتوجيهها من قبل الدولة ، استقبال الترددات المحددة ونشر الاخبار المطلوب توزيعها للقراء، فوجودها وتأثيرها مدار من اجهزة الدولة الامنية والسياسية، فما تريده الدولة ان تعرفه وتقرأه فتحسن به إليك وعليك بأن تسجد شكراً لها وتتضرع بالدعاء والتسبيح بوجود ادارة لم تخلق في القرون الماضية لتعطيك من الانباء ما يزيد بطنك جوعاً!!.. وما لا تريده لك الدولة فترميه في محرقة التاريخ. إلى ان جاءت القنوات الفضائية التي كانت متنفساً جديدا أجبر الحكومات على قبوله لتستغله الحكومات الكبرى في قيادة العالم (لصالحها "هي") في كل المجالات اقتصاديا وسياسيا وثقافيا ودينيا وووو.. الى ان اكتسح المارد (الانترنت) وطغى على كل ما سبق ذكره ، وساعده في ذلك تقنيات الاتصال الحديثه التي تتحفنا كل دقيقة بجديد يجعلنا في لهاث لاستيعاب وفهم الجديد لانعاش ما تبقى من مخ.
قبل يومين كنت في موقع العمل، وجاد بفكري ان اخرج من دائرة البحث والقراءة عن احداث العالم ومتابعة القنوات المختلفة  والانترنت واتجه الى أحد العمال البسطاء ، الذي يعرف ادوات نجارته اكثر من أي شيء آخر في العالم، والذي لا يهمه في هذه الحياه إلا قوت يومه و أن يوفر لأبنائه البعيدين عنه بضع آلاف من الاميال العيش الكريم، سألته: ماذا يفهم من احداث العالم ؟ سكت برهه وفكر قليلا ثم ابتسم وقال ( كله مجنون) !! كانت تلك الكلمتين تقريبا هي ما ابحث عنه، كيف استطاع هذا العامل ان يتوصل لفك شفرة هذه المعادلة المعقدة.. قال بعدها كلمات لم اصغى لها جيدا،  كنت مشغولا فقط بهاتين الكلمتين، أو ربما كان لا يهمني ان استمع الى شيء آخر يخرجني من نشوة الابحار في هاتين الكلمتين، وتركته عائدا الى المكتب.
في طريقي تذكرت قصة المدينة التي أصابها طاعون الجنون!!  وكان الطاعون قد نزل بنهر المدينة وكل من شرب من النهر أصابه داء الجنون، فمنع الملك الجميع ان يشربوا من النهر، ولكن منعه لم يجدي فالجميع تقريبا شربوا منه لأنه مصدر شربهم الوحيد، والغريب ان من يشرب منه يعتقد انه هو العاقل ومن لم يشرب هو المجنون!! .. وفي يوم ادرك الملك ان الملكة وجميع من في القصر قد شربوا ايضا من النهر ولم يبقى معه احد سوى الوزير وحرسه .. فأمر الوزير بأن يبلغ الحرس بمنع من تبقى الشرب من النهر فقال له الوزير بأن جميع الحرس هم ايضا شربوا من النهر ولم يبقى في البلاد سواه والملك فقط، وان الجميع يعتقد بان الملك والوزير مجانين فالناس هم الاغلبية الساحقة وما هم سوى حبتين رمل وسط كثبان كبير .. عندها سكت الملك وفكر طويلا وقال: يا وزير أغدق عليّ بكأس من نهر الجنون فأن الجنون ان تظل عاقلا في دنيا المجانين !!!.
نعم .. الدول العظمى ابتدعت أنظمة وقوانين، وشكلت على اثرها منظمات ومؤسسات تدير العالم لتنتهك ثروات ومقدرات الامم والشعوب .. أنظمة وقوانين قائمة على الفساد والاستغلال ونشر الرذيلة والتلاعب بكل شيء ومحاربة كل شيء.. الاخلاق والمبادئ والقيم والدين والتاريخ ووو.. وانساق الجميع وراء ذلك الطاعون وشربت اغلب حكومات العالم من نهر هذه الانظمة ومن لم يشرب اجبر على الشرب في النهاية ليعيش وسط المجانين ..
لا أدري .. قد يكون ذلك العامل هو أحد الخيميائيين الذين يعيشون في الواحات بعيدين عن ضوضاء العامة، لا يحملون معهم سوى حجر الفلاسفة واكسير الحياة، ويعيشون حياة العصافير، يقتاتون لأجل ما يبقيهم في حياتهم المكتوبة وزادهم فيها فكرهم والعيش من أجل أسطورتهم الشخصية وحق السعادة .. (كله مجنون) كلمتين (كله) بمعنى الكل وهي الغالبية العظمى مع استثناء القلة القليلة جداً .. وهذا ما أيده القرآن في سورة الكهف تحديدا ، في قصة الخضر عندما أحدث عيبا في سفينة مساكين البحر حتى لا يأخذها الملك ويغرقها.. فالملك لا يأخذ إلا كل سفينه صالحة خالية من العيوب.. وهنا بُعد آخر ربما لذلك العيب ..ربما أحدثه لتدخل في السفينة  كمية من الماء قادرة على زيادة وزنها فتزيد من ثباتها و صمودها ولو لفترة امام الاعصار والموج العاتي حتى تنجو بمن فيها(والله أعلم) .. أذاً (كله) يعنى السواد الاعظم من حكومات الدول في العالم ... و(مجنون) والجنون في اللغة يعني التستر ، والمجنون المستور العقل يجعله يأتي بأشياء لا يقبلها العقل الغير مستور.. وما سميّ الجن إلا لتسترهم واجتنابهم عن الابصار فلا أحد يراهم .. والجنين مستور في بطن أمه .. لذلك (مجنون) هنا التستر.. فقد دأبت معظم الانظمة الظالمة بممارسة ظلمها وفسادها وراء قوانين ولوائح تتستر بها لتجعلها في الظاهر تعمل من أجل الشعوب والوطن بينما وراء ذلك استغلال ونهب للثروات لحسابات خاصة ولمنظمات عليا.
بالفعل يا صديقي العامل (الفيلسوف) .. كله مجنون.. وكلهم مجانيين !!
أرى لا سبيل للشفاء من هذا الطاعون سوى التحرر من أنظمة الفساد ومن التبعية لمؤسساته العظمى ، وإلا سنظل (كله مجنون).
دمتم بصفاء العقل .. جمال العبري