السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مرحبا بكم في مدونة - ديمومة- أدام الله عليكم الصحة والسعادة والسلام


ملاحظة: يمنع نسخ أو اقتباس أي مادة من هذه المدونة بدون إذن صاحبها





الاثنين، 28 فبراير 2011

المنسي وأحوالنا في هذه الأيام

من روائع الفنان المصري الشهير عادل إمام فيلم (المنسي) الذي مثل فيه دور الرجل البسيط الذي يعمل في إحدى غرف التحكم بسكة الحديد، وهذا الدور يمثل الطبقة العاملة الفقيرة التي تحافظ على مواعيدها في العمل والتفاني والإخلاص في الخدمة من أجل الوطن، هذه الطبقة ينبع إخلاصها من مبادئ دينية واسس ودعائم اخلاقية تربي عليها أبناء هذه الطبقة فتجدهم قنوعين بما رزقهم الله من فضله وفي نفس الوقت يتألمون من العوز ويتمنون ويأملون بتجاوز المحن الاقتصادية مع التمسك بالقيم الفاضلة. وفي المقابل يعيش اصحاب الثراء والاموال الطائلة والمناصب في الدولة حالة أخرى من رغد العيش وطيب المأكل والملبس والتجاوز عن الاخلاق بحجة الوجاهه والرقي والتنازل عن الشرف لعقد الصفقات التجارية المدرة عليهم بكنوز قارون غير آهبين ولا مراعين في سرقة اموال الدولة من خلال شركاتهم الخاصة وعملائهم والتفنن بصرفها في الحفلات الصاخبة التي يمارس فيها كل منكر.
تذكرت هذا الفيلم وانا أشاهد الاحداث الجارية حاليا في الدول العربية ابتداءا من تونس ومصر الى ليبيا واليمن والبحرين ووصلتنا ايضا الى سلطنة عمان ومن مدينة صحار تحديدا.
المنسي يفكرويحلل ما يفكر به ككل الناس ويخرج بنتيجة مضمونها بأن الطبقة العليا تعيش على خزائن الدولة ونهب اراضيها واحتكار تجارتها وصناعتها وزراعتها وبحرها وبرها وسمائها وتستبيح الرشاوي واختلاسات المناقصات الكبري، هذا الوضع مستوحى من الحالة المعيشية التي يحياها هؤلاء وعلى ما يعايشوه وما يرونه منهم من الكذب والنفاق على الطبقة الوسطى والفقيرة والتي باتت واضحة المعالم من خلال تعاملاتهم مع القضايا والمطالب التي تتكدس في مكاتبهم، تلك الطلبات المشروعة المرفوعة من الطبقات الفقيرة من أجل تحسين وضعهم المعيشي، ولكن القلوب الميتة والعاطفة الممسوخة للطبقة العليا باتت كحاجز وسد امام المجتمع، وكالنار التي لا تبقي أخضرا ولا يابس.
في المقابل الطبقة العليا الغنية تفكر في ان الطبقة الفقيرة على إنها فئه حاسدة على وضعهم المعيشي الذي لم يستطيعوا الوصول اليه، وان هذه الطبقة متخلفّة وتعيش في اوكار قديمة ناتجة من قصور تفكيرهم وتمسكهم بعاداتهم واخلاقهم التي لا تدر عليهم مالاً ولا ترفعهم منصبا، وترى هذه الطبقة ان افضل معاملة للفقراء هو استغلال طاقاتهم وكدحهم في العمل واستنفاذها وقتل طموحهم لضمان عدم وصولهم الى خطوة أخرى الى الامام قد تكون سببا في تحولهم الى منافس على السلطة!.
المنسي عندما أتته الفاتنة (يسرا) هاربه من المذلة ومحاولة استغلال جسدها لأشباع غرور التاجرالبشع ومن أجل إنجاح صفقة تجارية تدر الملايين للطبقة الغنية، كانت تمثل الواقع الملموس امامة وليس الكلام والاشاعات، كانت تمثل الحقيقية وليس كلام الاعلام بمختلف انواعة، كانت تمثل التعب والارهاصات للطبقة المتوسطة ولجوئها للطبقة الفقيرة التي تحمل في طياتها وتكوينها الضمير الحي والغيره للانسان بمعناه الواسع. وفي مواجهة فريدة من نوعها بين المنسي والغني ذو الجاه والمال، ما كان من الغني إلا التكبر على المنسي وفي عقر مقره ومصدر رزقه وتم ضربه بطريقة بشعة غاب عنها الضمير- منظر تذكرته عندما رأيت شرطة مكافحة الشغب والجيش تجول في شوارع تونس ومصر وليبيا واليمن تضرب المتظاهرين وترش عليهم الغاز المسيل للدموع - منظر أفسره بأنه ضرب للانسانية والعدل الذي ينشده الجميع، وما كان رد فعل المنسي إلا الثورة والخروج الى هؤلاء غير آبهه ولا خائف من أي أحد إلا الخالق الواحد الأحد ، كان خروجه أشبه بثورة 25 يناير في ميدان التحرير، كان خروجة ليس لتولي السلطة ولكن لإنقاذ البشرية من كيد هؤلاء, إنقاذ اجيال قادمة من مصير مجهول، خطواته كانت تحكي مآسي جميع المجتمعات التي تعيش تحت ظل القهر والذل والاستبداد والظلم والفساد ، خطواته ومسيرته في الفيلم كانت سريعة نوعا ما ولم تعطى حقها ولكنها ذات مغزى كبير، خطوات انقذت الشرف واشياء أخرى.
ما أشبه هذا الفيلم بالواقع اليوم، وما أشبه المنسي بالمنسيين من شعوبنا العربية. عادل إمام (المنسي) كانت لدية قضية بدأت وانتهت في ليلة واحدة فقط – احداث الفيلم- ولكن قضية المتظاهرين اليوم هي نتاج لتراكمات زمن طويل، لم يستطع الجيل السابق ترجمته وإظهاره لعدم توفر الجرأه والوسائل، ولكن جيل اليوم (جيل الفيسبوك والجزيرة والهواتف الذكية وغيرها) جيل تعب من الكتم والانزواء ،ولم يعد لدية الوقت لضياعة وتركه للمجرمين يتمتعون به.
ولكن ما حصل معنا في عمان، هو أقرب الى التقليد الأعمى، تقليد أعمال العنف فقط، وضياع الهدف اثناء الخروج، فأعمال التخريب والعبث بالممتلكات الخاصة ليست الوسيلة الصحيحة للمطالبة بالحقوق وعرض القضايا، يجب تحديد الهدف والخروج من أجل الهدف ، وهذا ما فعله المنسي في فيلمه، كان الهدف واضح ومحدد، لذلك نجح في تحقيق هدفة بخسائر قليلة وما أعجبني هو انه اخفى الموضوع حتى عن زميلة الذي ظن بأن الجن والارواح الشريرة خرجوا عليه وكان ما حدث له.
المسيرة الخضراء مسيرة حضارية تدل على الوعي والاحترام المتبادل، والرد السريع من الحكومة من تغيير وزاري وتعديلات خفيفة ، هي بحد ذاتها نتيجة مشكورة ولا بأس بها ويدل على ان الحكومة لها آذان وتستجيب للمطالب المشروعة _ ولو ان ذلك الرد يراه البعض بأنه هزيل ولا يشبع المطالب الحقيقية – ولكنني شخصيا أؤمن بأن التغيير الايجابي يحتاج الى وقت ودراسة، وحالنا هنا في عمان أفضل بكثير وكثير من غيرنا. عليه يجب تصحيح المسار في هذه المسيرات للحفاظ على الأمن والسلامة للجميع. دمتم بصفاء وسلام.
جمال العبري