قد
يلاحظ الكثير من أمثالي لهفة البعض في البروز والظهور وهي ربما صفة ليست بجديدة
على البشر، فهي ممارسة يستخدمها الناس على مر التاريخ مستخدمين الوسائل المتاحة.
قد يكون ذلك البروز عفوي وطبيعي نتيجة التميز في فعل شيء او الهمة العالية في
اتقان علم او فن. وليس هذا الذي اعنيه هنا،
فهو امر طبيعي، ولكن الذي أعنيه هو لهفة البروز والظهور للذين يسعون من أجل ذات الظهور!
.. أي حب الشهرة من أجل الشهرة نفسها بغض النظر عن المحتوى وما يقدمه للناس.
في
النهاية هي حرية شخصية للفرد طالما انه بتصرفاته لا يضر أو يؤذي الآخرين.. فتصرفات
الانسان تكشف عن مكنوناته وعن توجهاته الفكرية العميقة.. ومن يستطيع كشف تلك
التوجهات أولئك الذين لديهم الكياسة والتفكر والاستنباط من مجريات الاحداث وتصرفات
الانسان.
فمن
يعشق القراءة ويظهر لنا في اليوتيوب او في غيره من القنوات ليخبرنا بالجديد عما
قرأه وعن الجديد من المطبوعات فهو ينقل لنا تجاربه وخبراته لعل الاخرين قد يجدوا
منها الفائدة والتشجيع للإبحار في عالم المعرفة عن طريق الكتب او القراءة عبر الأجهزة
الالكترونية. كذلك الحال لمن يحب الشعر والادب
ليظهر لنا بقصائده الجديدة او حتى القصائد المشهورة للشعراء القدامى او المعاصرين
من باب نشر المعرفة والتفنن بالإلقاء.. وكذلك الحال ممن يحبون الرياضة او الطبخ او
تصميم الأثاث او غيرها من الأمور.. كلها أمور جيدة ومحمودة ومفيدة.
يقول
علماء النفس بأن الانسان قد يكون له عدة شخصيات في داخلة !!.. ففي الظاهر يظهر
بالصورة النمطية التي يحب ان يراه الناس عليها ولكن في داخلة قد تكون لدية شخصية أخرى
مناقضة.. يظهر بها مع تفكيره الداخلي مع نفسه وربما قد يظهر بها مع المقربين الخاصين.
ويشير بعض المتخصصين بان ذلك قد يكون طبيعي نظراٌ لفطرة الانسان وتعرضه لمقومات
كثيرة في بداية حياته وطفولته، فيختار الفرد القالب الملائم له والمتناسق مع المجتمع
الذي يعيش فيه ومع المعتقدات التي ثبتها في قلبه وعقله. ولكن تبقى بقية القوالب في
عقله اللاواعي موجودة قد تظهر لفترات او تختفي بناءا على طلب العقل الواعي. يعني قد
نرى شخص عفيف يتكلم عن الاخلاق والتعفف واختيار الالفاظ المحتشمة في كلامه امام
الناس ولكن قد تظهر في عقله الداخلي او عند تفكيره عبارات وصور نمطية أخرى غير
محتشمة وشيطانية من الدرجة الأولى فلو اظهرها امام الناس لكشفت عن شخصية مغايره
تماما عن التي يعرفونه بها! .. ويشير المختصون بان الغير طبيعي اذا عاش الانسان في
صراع بين تلك الشخصيات الداخلية والخارجية فعندها يصاب بالأمراض النفسية المختلفة وربما
يصل الى متاهات وتصرفات شاذة او تصل به الى درجة فعل الجريمة.
ولنعود
الى السطور الأولى في هذه المقالة وهي حب البروز والظهور.. قد نرى بعض الرائدين والرائدات
في الساحة الفنية او الشعرية والأدبية وقد اتخذوا شكلا آخر على بعض وسائل السوشال ميديا
غير المجال الذي بروزا فيه.. قد يقودهم الى اظهار شخصية أخرى غير التي عرفوها بهم
الناس في بداية مشوارهم في طريق التميز والشهرة.
ومنها ظهور بعض المثقفين بوجهة الالحاد او الفكر المتقلب ومحاولة تقليد
الاخرين لجلب أكبر عدد من المتابعين والمشاهدين وقد تخلوا عن مجالهم الأصل من اجل
الشهرة ذاتها بدون النظر في العواقب وما قد يشكل على المتابعين في مصداقية هؤلاء المثقفين
وفيما يقدموه.. وكذلك الحال لبعض الرائدات التي اتخذن التبرج او التقاط الصور
الملفتة ذات طابع الاغراء وتكسير الصوت والحركات التي تجذب الذكور لهن وكله من أجل
زيادة المتابعين وكأنهن في سباق مع الاخرين للتباهي بكثرة المتابعين من ناحية ومن
ناحية أخرى المكسب المادي سواءا من المواقع التي ينشرون من خلالها او من خلال
تسابق شركات الإعلان لاستخدامهن لنشر الدعاية لمنتجاتهم المختلفة.
كما
اسلفت بانها ظاهرة ليست بالجديدة ولكنها أصبحت متفشية كثيرا لتعدد الوسائل والتقنية
التي ساعدت بشكل كبير جدا جدا ليس لنشرها فحسب بل ولتشجيع الاخرين على القيام
بمثلها في ظل غياب القيم والرقابة والانسلاخ من المبادئ التي جاءت بها جميع الأديان
السماوية لتنظيم حياة الانسان وجعل حياته على هذه الأرض رحلة ثرية وفرصة غير متكررة
لملء الذات والحقيبة الخفية بالعمل الصالح الذي سيكون الزاد للرحلة القادمة بعد
توقف كهرباء الجسم وخروج الروح.
جمال العبري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق