الهوية ليست مجرد الحفاظ على التاريخ
وما يحمله من موروثات فنية كبعض الفنون الشعبية وحسب ، الهوية أكبر
مفهوماً وسعه عن ذلك.. هي الوعي بالذات الثقافية والاجتماعية .. لذلك نستطيع القول
بأنها هي التعبير الذي يصف ثقافة الشخص وانتمائه الديني والحضاري وطريقة حياته في
بيئة لها خصوصيتها التي قد تتغير أو بتعبير آخر إمكانية التطوير التدريجي فيها حسب
الزمان، مع وجود خصوصية وسمه تميزها عن هوية مجتمع آخر.
يكثر اللغط هذه الايام وللأسف في بلدنا
عن سرقة بعض الموروثات الفنية من دولة الجوار ، دولة التطور المدني والعمراني
والاقتصادي الهائل .. فظهر في أكثر من مناسبة ترديد أخواننا هناك بفن العازي الذي
تشتهر به سلطنتنا الحبيبة عمان .. ويعتقد الكثير بأن تلك المشاهد ما هي إلا سرقة
علنية لأحد الموروثات الشعبية المهمة التي لا ينبغي لغيرنا التغني بها وإلصاقها
كموروث لهم. وقد تناسى أؤلئك بأن الفرق الحربية أو كما يطيب للبعض ان يسميها
بالفرق الحربية التي يقوم أفرادها بغناء الاناشيد الوطنية باللهجة البدوية مرتدين
ملابس تقليدية وبها سمه عسكرية كالوشاح وحمل السلاح .. أن أول ما ظهرت هذه الفرق
كان في دولة الامارات العربية المتحدة قبل أكثر من عشرين عاماً .. وقام بعدها
تلفزيون سلطنة عمان بتقليد ذلك الفن وأصبح بعد فترة من الزمن فن من فنوننا يتغنى
به في المحافل والمناسبات المختلفة .. إلا يعد ذلك أيضاً سرقة !! .. ناهيك عن فن
اليوله .. الذي ايضاً تميزت به دبي واهتمت به .. ليقوم بعدها المقلدين في منطقة
الظاهرة والباطنة بالتغني باليوله حتى في المناسبات الوطنية !!
لم أكن أود أن أتطرق الى مثل هذه
المواضيع في مدونتي، ولا حتى اريد أن أشغل فكري بهكذا مواضيع .. لأني لا أعتقد ان
من ورائها جدوى سوى خلق الخلافات والتشنجات التي لا تعود على الفرد ولا على
المجتمع بفائدة .. مجرد إحياء للروح العصبية ونشر طاقات سلبية من شأنها ان تتطور
وتخلق عداء تأريخي بين المجتمعات!!
دولة الامارات من الدول المتميزة
الايجابية في التخطيط والتحليق في عالم التحديات الحضرية العصرية التي تأخذ من
العمارة والبنية التحتية قاعدة عريضة لتحقيق المآرب الاقتصادية والتميز والريادة
في عالم المال والاعمال .. نعم قد تنطوي على هذا الفكر بعض السلبيات .. كالحفاظ
على الهوية في خضم التسارع نحو تحقيق
المآرب المادية وما يترتب عليها من اختلاط الكثير من الثقافات والهويات المتنوعه القادمة
للعمل من مختلف مناطق العالم .فأصبح المواطن نتيجة لذلك تائهه بين مختلف الجنسيات التي قدمت من
كل بقاع الارض لا لشيء سوى السعي للعيش والكسب .. فيشعر المواطن بأنه أصبح جزء أو
أداة من تلك الآلات والمعدات المتناثرة في الاسواق التي قد تنتشلك من هويتك وإرثك مع السرعة
الهائلة في التطور... نعم تلك هي السلبية الملموسه الأعلى من وراء اللهث وارء المدنية
العصرية.
ولكن كما يقول أحد الباحثين بأن الدولة
التي تعمل وتتطور وبها حراك دؤوب في تحقيق أهدافها قادرة أكثر ان تضبط أمورها والعودة الى هويتها من الدولة التي لا
تعمل وتكتفي بالتغني بالماضي والحلم بالمستقبل الذي لن تراه طالما لا تخطط ولا
تعمل!!
عودة الامارتيين الى الموروثات
التقليدية والاهتمام بها هي خطوة مباركة وجيدة جداً للأجيال الحالية والقادمة
لوعيهم بإرثهم وتأريخهم .. الإمارات كوحدة وتنظيم جديدة نوعاً ما ولا يتعدى عمرها
اكثر من 42 عاماً .. ولكن تواجد الانسان في تلك الاراضي قديم ويعود لمئات السنين
.. فكانت أمتداد للسواحل العمانية .. وهذا ليس بعيب أو إنقاص .. ولكنه أمر اعتيادي
في تاريخ الدول .. فتارة تتحد وتارة تنفصل .. ولكن يبقى التاريخ تاريخ للانسان وإن
تغيرت المسميات للمناطق وإن تغيرت السياسات تبقى الموروثات حق لوارثها. وحكوماتنا الرشيدة
والحمد لله متفهمة لذلك .. فحسب علمي بأن هناك لجان مشتركة بين عمان والامارات في
تسجيل الموروثات المختلفة لكلتا البلدين بالتنسيق مع اللجان العالمية والتي تقوم
بتسجيلها رسمياً لكل بلد... وهذا التعاون البنا يزيد الترابط والاخاء والتفاهم
المشترك .. ولكن المشكلة في العامة الذي يطيب للبعض منهم إثارة هذه القضايا بطرق
سلبية وإشغال الجميع بهذه المواضيع التي لا ترقى بمجتمع ولا تليق بمنتمي الى حضارة
عريقة لها عمقها التأريخي.